الاثنين، 9 يونيو 2014

استدارة حول معرض الكتاب الكويتي ( ذكريات رحلتي للكويت )




كتبت هذه المذكرة عام 1435 عقب زيارتي لدولة الكويت ومعرض الكتاب هناك :
(استدارة في معرض الكتاب الكويتي)لابد للكتابة  أن تمارس سطوتها متأثرة بمعرض الكتاب الدولي في الكويت بعد ارتكابي زيارته لهذا اليوم .كنت ابحث عن مكان للكتابة لا يهم ماهية المكان بقدر أهمية توفر المذكرة التي اكتب عليها الآن والتي تعود ملكيتها لصندوق المئوية وقلم من فندق رمادا دبي وطاولة وكرسي  ، كل هذه الأشياء امتلكها الآن لذا أنا أكتب والكتابة رياضة ممتعه بالنسبة لي كما المشي للبعض وكذلك الرقص للبعض الآخر .في المعرض أقسم أحدهم ألا يتركني حتى أصل لبغيتي حين سألته عن موقع المجلس الوطني للثقافة والفنون وأبر بقسمه .يعود الفضل بعد الله في تعرفي على هذا الصرح الثقافي للصديق العزيز محمد الرشيد حين أهداني عدة كتب من إصدارات هذا المجلس ، تتمتع إصداراته برقي الطرح ونخبويته وعمقه المعرفي .كان الجناح مقتضبا ولذلك اقترحوا علي زيارتهم في مقرهم الرئيس لأشبع رغبتي في الاطلاع على جميع إصداراتهم ، اكتفيت بمجلتين واحدة عن النقد الثقافي والأخرى في الفلسفة الحديثة وكتاب بعنوان ((أسئلة السعادة )) والحقيقة أن السعادة ومدلولاتها ومعاييرها شيء يشدني ذلك أن السعادة تصنع ولا تتبغى.نسيت أن أقول لكم أنني في مقهى يدعى (كوستا كوفي ) في المارينا التي تقع على حافة شارع الخليج الشبيه بشارع التحلية في الرياض وjbr في دبي والكورنيش في جدة ، تلك الشوارع لا تهدأ ولا تسكن إلا في فترات يسيرة.
فتاة بسيارتها الحمراء الشبيهة بأحمر الشفاه وقفت محاذية لسيارتي الخارجة من أحد الشعاب الممتلئة بالماء والطين ، غني عن الذكر أنها نظرت للسيارة بشزر كل هذا لا يهم المهم أن شابين حاصراها عن يمين وشمال بدراجتيهما النارية وضيقا الخناق عليها ، بطبيعة الحال لم تتحرك نخوتي لردعهما وإن ضاق صدري لسببين الأول أن الفتاة كانت تترنم على وقع أغنية غريبة وأسمعت من حولها والثاني أنني عابر سبيل ولست بحاجة لمزيد من العناء خاصة وأنني كنت أبحث عن مكان مناسب لفعل الكتابة بأسرع وقت.في المعرض صادفت الكاتب خالد الباتلي كان يوقع على إصدارته في الدار التي تنشر له ، فعبرت سريعا ولما عدت بعد فترة وجدته فارغا فسلمت علية وعقدت معه صفقة استضافة لنادي القراءة الذي أسسناه ، ولم يمانع أبدا وهو خلوق واقعا كما هو افتراضيا في توتير .بعد جولة متباطئة وغير مرضي عنها تحولت لإداء صلاتي المغرب والعشاء جمعا مؤخرا ثم سرت نحو قاعة الندوة الثقافية والتي كانت تحكي عن تجارب في الكتابة الإبداعية بإدارة الكاتب اللطيف عبدالله العثمان . جمعت ثلاث كتاب  من السعودية والإمارات وقطر نسيت أسماءهم وبقي الأثر الجميل الذي حكوه عن تجاربهم وأبرزها أنك تكتب لتستمع مع احترام الجمهور .تسكن أرض المعارض في الكويت في منطقة تدعى مشرف وهي ( أرض المعارض ) تضم عدة صالات للعرض وتقام هناك الكثير من المعارض ويحدث أن تتعارض ثلاث معارض بتوجهات مختلفة في وقت واحد وربما أقل كما حدث بين معرض الكتاب والمعرض الاستهلاكي وكم كنت اتمنى أن يبقى معرض الكتاب متربعا لوحده هذه الفترة دون أن يزاحمه أحد ولذلك انت ترى ازدحام السيارات المتوجة للداخل ولكنك لا تدري إلى أين هم ذاهبون فثمة مطعم ماكدونالدز وملاهي للأطفال ومعرضين وبائعو ذرة وفشار ومسطحات خضراء في مكان ملائم اقتصاديا للعائلات الطبيعية نعم طبيعية وهناك عائلات مدنية لا تتنازل عن اختيار مطعم أو مقهى يحمل ماركة عالمية أو محلية ذات سمعة كما أن المسطحات الخضراء وجلسات القهوة البسيطة هي محرمة في عرفهم التنزهي و يالندامة هؤلاء وخسارتهم .لكم أن تتخيلوا ما هو أهم حدث وأغربه بالنسبة لي في تلك الرحلة ؟!الذي حدث باختصار أنني وبعد نيف وعشرين عاما من ولادتي رأيت عمتي من الرضاعة وقبلت رأسها ، ومكثت في ضيافتها ليومين ، والحق أن هذا البعد الزمني في لقاءنا اربكها قليلا لدرجة أنها كانت مترددة وتملكها الخجل حين مددت عنقي لتقبيل رأسها ، ولست بحاجة للحديث عن لطفها وسعادتها بي حتى أنها أحضرت صورها وهي شابة لتريني إياها هذا كله في اليوم التالي طبعا ، ما أعذبك يا عمتي وأولادك الذين طوقوا مائدتك يوم الجمعة  .لأهل الكويت نكهة خاصة ولذيذة في تداول أحاديثهم ، غير التي نراها في المسلسلات ، والسير بشكل متفرع في الحديث الواحد تماما كما نفعل في السعودية .الحديث عن مجلس الأمة و البدون وسحب الجنسيات كان حاضرا بلا شك ، والأهم مقارنة سقف حرية التعبير السلمي بين الدولتين الشقيتين ، كان الحديث في الحديقة الخارجية وعلى مسامع المارة ، ولذلك أنت بحاجة لتنشيط الدورة الحقوقية من خلال زيارة الكويت والاقتصادية والرفاهية من خلال زيارة الإمارات .يتبع الأسبوع القادم بإذن الله
(2)سأروي لكم وصفا مختل التوازن لمعرض الكتاب ، يتكون من ثلاث صالات بواجهات زجاجية هي على الترتيب (5-6-7) على شكل حرف إل باللغة الإنجليزية (5-6) تمثل العصا الطويلة و(7) تمثل العصا المقصوصة ، وبإمكانك الدخول من أي بوابة من تلك البوابات دون عناء المرور على الجهاز الأمني (كاشف الأسلحة)كما في معرض الكتاب الذي تعرفون وأعرف ، وربما أحسن العسكري بك الظن وأوقفك ليمرر الجهاز اليدوي على أجزاء جسدك في مسرحية مقرفة أمام الزائرين تجعلك تكره القراءة والكتابة .وكم أخشى أن يأتي ذلك اليوم الذي نظن فيه عند زيارتنا لمعرض الكتاب بأننا سندخل إلى مبنى البيت الأبيض!، كل هذا لا يهم يا رفاق المهم أن يقام المعرض ولو على وقع قذائف الهاون المشابهة لتلك التي أطلقتها ميلشيات عراقية على أحد المنافذ الحدودية .إذا لم تخني الذاكرة فأنا كنت أتحدث عن الصالات ؟
نعم هو كذلك حين عدت إلى ما قبل خمسة أسطر ، بالنسبة لي أوقفت مركبتي خارج أسوار أرض المعارض وسرت علي قدمي حتى ولجت من بوابة الصالة الخامسة ، في مقدمة الصالة (كشك) لبيع القهوة والعصائر وبعض أنواع (الساندويتش) وهذه لفظة أعجمية تقابلها في العربية (فطيرة) ولم أكن أنوي كتابة المرادف العربي لها ولكني تذكرت قصيدة حافظ إبراهيم (اللغة العربية تنعي نفسها ) فخجلت وكتبتها ، ونثرت في زاوية الصالة عدة طاولات بمقاعدها لمن يرغب ارتشاف كوب قهوة ساخنة كما فعلت في منتصف رحلتي المعرضية .أما المقدمة اليمنى والتي احتلت مساحة كبيرة لعرض صور للفنون التشكيلية والفوتوغرافية (سامحني يا حافظ لن أكتب المرادف هذه المرة ) ، من السيء أن أخبركم بأنني لم أكترث به ، رغم إعجابي بمثل هذه العروض في الغالب ، يبدو أن حضرة الكتاب تنفي كل شيء سواه .وها نحن نقترب لوسط المقدمة حيث البوابة الداخلية والتي هي عبارة عن باب خشبي بعرض مترين وطول يساويه وعلى يسار الباب نصبت لوحة أرضية تعلمك بأسماء دور النشر التي تحتل مواقع متفردة في الصالة وبجانب كل دار رصف اسم الدولة ، كانت الصالة مخصصة لدور النشر الخليجية ، والطرفة التي كانت حاضرة في معرض الرياض وكنت أظنها لا تتكرر في بلد آخر والطرفة كانت بتجمع الزوار وازدحامهم دار الآفاق الكويتية تماما كما تجمع زوار الرياض حول العبيكان! ، بمعنى آخر هذه المكتبات متوفرة لك طول طوال العام أيها المواطن العزيز ولست مضطرا للاصطفاف خلف الزبائن المتكدسين هناك ، استفد من الدور التي لا تحضر إلا هذه الأيام القلائل .الصالة رقم ستة كانت متاحة لدور النشر العربية ، وكانت شبه خالية من الزوار سوى الريس وجارتها بسبب توفر الروايات الفضائحية الخليجية،وقد انصب الجميع على صالة رقم خمسة التي تحوي الدور الخليجية.أما الصالة الأخيرة وهي التي تحمل الرقم سبعة فهي التي يمنع دخولها للرجال في السعودية ، أي لا بد أن يكون معك إما طفل أو طفلة أو امرأة رغم أن المعرض بأكمله مفتوح للجنسين في الوقت نفسه ،نعم يا رفاق هو جناح الطفل الذي حرمت من دخوله قبل العام الماضي بسبب غباء المسؤول و شكرا للقائمين على معرض الكويت لأنني دخلته دون قلق .أوصاني أحد الأصدقاء بشراء ثلاثة نسخ من كتاب د عبدالله النفيسي (أيام من العمر الماضي) وهو كتاب يحكي فيه عن ذكرياته بأسلوب بسيط جدا نستطيع القول بأنه أسلوب حكواتي ، والكتاب صادر عن دار آفاق ، لم اقتن نسخة رابعة لي حتى لا أتهم بأنني متهم بفعل إشارة رابعة العدوية وأحرم من دخول مصر بسبب هذه التهمة (مداعبة) وإن كنت قرأت فصلا كاملا من النسخة التي اخترتها هدية لصاحبي ،ذلك أن الكتاب لم يكن في جدول مشترياتي، وقد منَ الله علي منذ زمن بأن أجعل عناويني واضحة ومحددة وأن أتجنب التسويق والزخم الإعلامي والرأسمالي للكتب أيا كان مؤلفوها ، وأنا بحاجة لمزيد وقت وإمعان فكر عند شراء أي كتاب ، ذلك أن المضخات الناشرة تقذف بآلاف الكتب منها الغث ومنها السمين والمتردي ومنها ما لا يمكن قراءته دون حبوب مهدئة أو وصفة مناعة ضد بعد السخافات التأليفية ، كما أن القراءة النوعية مهمة في جدا هذا الزمن .تعرفون مسبقا أن أكثر الزوار هن معشر النساء وأكثر الكتب المشتراة هي الروايات والقصص والأشعار .وقد شاهدت فتاة لما تبلغ الحلم بعد قد عبأت يديها بكتب نزار قباني و يا ويح قلب هذه الفتاة المسكينة عند قراءتها لأشعار نزار الملتهبة ، وهي بين أمرين إما أن يزداد وزنها بسبب العشق من خلال فتح الثلاجة والتهام المزيد من الطعام عند أدنى هم عشقي أو العكس تماما.وأنا أقول لك يا صغيرتي لو قدر لك أن تقرأي كلامي هذا ألا حب يدوم سببه الأول الأشعار الغرامية ولا حب ينمو في أوهام الوحدة والتعلق بالمظاهر ، إنما الحب مزيج من إخلاص ووفاء وتضحية وصدق مشاعر نابعة من صياصيم القلب ذلك الذي نجده واضحا جليا في أمهاتنا وآبائنا حين يعاملوننا ، إن كان كذلك وإلا فالحب كذبة كبرى ولعبة مدمرة نظنها ممتعة ومسلية وهي القنبلة الموقوتة لأفئدتنا ، فأعيدي تلك الكتب لمحلها وحين تجدين حبا يتوفر فيه الذي قلت لك فأقتني كل قصائد الأرض ، وكذلك أنت أيها الشاب المتلهف شوقا لحب تعيش معه أقول لك كما قلت لها .(3)أظن أنه من الممتع أن أحكي لكم عن أكشاك بيع الذرة والبطاطس في المعرض ، وهي محل سخرية في وسم # معرض الكويت الدولي من قبل بعض المغردين وكانوا يقارنون بين مبيعات الكتب والذرة والبطاطس .رصفت هذه الأكشاك خارج صالات العرض في الهواء الطلق على رصيف الفناء الخارجي ، تأملتها قليلا ، يتقاسمها لونان هما الأصفر والأزرق وكان الباعة يتألقون بتقليب الذرة على صفيح معدني مستدير قد غلف بقصدير يحمي الذرة ، وكان الزبائن يتابعون ذلك المنظر المهيب لشقلبة الذرة الصفراء بأنامل هندية حكيمة !ولي مع هذه الذرة حكايات جميلة في طفولتي حين كنا ننتقل في الصيف للعيش في شقتنا في دمشق ، كان باعة الذرة المتجولون يدفعون عربات على شكل مربع بعضها لها أربع عجلات أخرى على ثلاث ، وقد جعلوا وسطها حفرة مستديرة ليسقطوا فيها الإناء الذي تسبح وسطه عرائس الذرة الطازجة وكنا نسميها (عرنوس ) يعبر حارتنا بائعان الأول يعصب رأسه بقطعة قماش غريبة وكأنه سيحارب وهذا لا أحبذ الشراء منه لأن ذرته إما أن تكون حباتها قاسية أو العكس وكانوا يسمحون لنا بجسها ، ولكم أن تتخيلوا كم يدا تمس الذرة الحارات التي تسبق حارتنا !أما الثاني فهو أصلع ومتوسط الطول وله ذقن خفيفة ويتحدث بلهجة فلسطينية  وتعجبني ذرته ثم إنه مع الزمن أصبحت أترك اختيار الذرة له دون جسها وتقليبها ، إنها الثقة يا رفاق .في السعودية لا تعجبني الذرة أبدا سوى تلك التي تباع في جبال الطائف ، خاصة حين تكون مشوية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق